فصل: الشاهد الحادي والستون بعد الثمانمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن دولة العادل بن المنصور.

لما بلغت بيعة الموحدين للعادل وكتاب ابن زكريا بن الشهيد بقصة المخلوع قارن ذلك تغييره للبياسي فانتقض عليه ودعا لنفسه ببياسة وتلقب الظافر وشغل بشأنه وبعث أخاه أبا العلى لحصاره فامتنع عليه وبعث بعده ابنه أبا سعيد ابن الشيخ أبي حفص فامتنع عليه أيضا واختلت الأحوال بالأندلس على العادل وكثرت غارة النصارى على أشبيلية ومرسية وهو مقيم بها وانهزمت جيوش الموحدين على طليطلة وأغراه خاصته بابن يوجان فأخذ إلى سبتة وعظم أمر البياسي بالأندلس وظاهر النصارى على شأنه فأجاز العادل إلى العدوة وولى أخاه أبا العلى على الأندلس ولما كان بقصر الحجاز دخل عليه عبو بن أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص فقال له كيف حالك فأنشده:
حال متى علم ابن منصور بها ** جاء الزمان إليه منها تائبا

فاستحسن ذلك وولاه أفريقية وكتب للسيد أبي زيد ابن عمه بالقدوم ووصل إلى سلا فأقام بها وبعث عن شيوخ جشم وكان لابن يوجان عناية واختصاص يهلال بن حمدان بن مقدم أمير الخلط فتثافل ابن جرمون أمير سفيان عن الوصول وأقبل الخلط وسفيان وبادر العادل إلى مراكش فدخلها واستوزر أبا زيد بن أبي محمد بن الشيخ أبي حفص وتغير لابن يوجان ففسد باطنه وتغلب على الدولة ابن الشهيد ويوسف بن علي شيخا هنتاتة وتينملل ثم خالفت هسكورة والخلط وعاثوا نواحي مراكش وخرج إليهم ابن يوجان فلم يغن شيئا فخربوا بلاد دكالة فأنفذ إليهم العادل عسكرا من الموحدين لنظر إبراهيم بن إسمعيل بن الشيخ أبي حفص وهو الذي كان نازع أولاد الشيخ أبي محمد بأفريقية كما نذكره فانهزم وقتل وخرج ابن الشهيد ويوسف بن علي إلى قبائلها للحشد ومدافعة هسكورة فاتفقا على خلع العادل والبيعة ليحيى بن الناصر وقصدوا مراكش فاقتحموا عليه القصر ونهبوه وقتل العادل خنقا أيام الفطر من سنة أربع وعشرين وستمائة والله تعالى أعلم.

.الخبر عن دولة المأمون بن المنصور ومزاحمة يحيى بن الناصر له.

كان المأمون لما بلغه انتقاض الموحدين والعرب على أخيه وتلاشى أمره لنفسه بأشبيلية فبويع وأجابه أكثر الأندلس وبايع السيد أبو زيد صاحب بلنسية وشرق الأندلس ثم كان ما قدمناه من انتقاض الموحدين على العادل وقتله بالقصر وبيعتهم ليحيى ابن أخيه الناصر فكاتب ابن يوجان سرا وعمل على إفساد الدولة فداخلهم هسكورة والعرب في الغارة على مراكش وهزم عساكر الموحدين وفطن ابن الشهيد لتدبير ابن يوجان فقتله بداره وخرج يحيى بن الناصر إلى معتصمه كما ذكرناه فخلع الموحدون العادل وبعثوا بيعتهم إلى المأمون وتولى كبر ذلك الحسن أبو عبد الله العريقي والسيد أبو حفص بن أبي حفص فبلغ خبرهم إلى يحيى بن الناصر وابن الشهيد فنزلوا إلى مراكش سنة ست وعشرين وستمائة وقتلوهم وبايع للمأمون صاحب فاس وصاحب تلمسان محمد بن أبي زيد بن يوجان وصاحب سبتة أبو موسى بن المنصور وصاحب بجاية ابن أخته ابن الأطامي وامتنع صاحب أفريقية وكان ذلك سببا لاستبداد الأمير أبي زكريا على ما يذكر ولم يبق على دعوة يحيى بن الناصر إلا أفريقية وسجلماسة.
وزحف البياسي إلى قرطبة فملكها ثم زحف إلى أشبيلية فنازل بها المأمون والطاغية معه بعد أن نزل له عن مخاطة وغيرها من حصون المسلمين فهزمهم المأمون بنواحي أشبيلية ولحق البياسي بقرطبة فثاروا به إلى حصن المدور فغدر به وزيره ميورك وجاء برأسه إلى المأمون بأشبيلية ثم ثار محمد بن يوسف بن هود وملك مرسية واستولى على الكثير من شرق الأندلس كما ذكرناه في أخباره وزحف إليه المأمون وحاصره وامتنع عليه فرجع إلى أشبيلية ثم خرج سنة ست وعشرين وستمائة إلى مراكش لما استدعاه أهل المغرب وبعثوا إليه ببيعاتهم وبعث إليه هلال بن حميد أن أمير الخلط يستدعيه واستمد الطاغية عسكرا من النصارى وأمره على شروط تقبلها منه المأمون وأجاز إلى العدوة وبادر أهل أشبيلية بالبيعة لابن هود واعترضه يحيى بن الناصر فهزمه المأمون واستلحم من كان معه من الموحدين والعرب ولحق يحيى بجبل هنتاتة ثم دخل المأمون الحضرة وأحضر مشيخة الموحدين وعدد عليهم فعلاتهم وتقبض على مائة من أعيانهم فقتلهم وأصدر كتابه إلى البلدان بمحو اسم النهدي من السكة والخطبة والنعي عليه في النداء للصلاة باللغة البربرية وزيادة النداء لطلوع الفجر وهو: أصبح ولله الحمد وغير ذلك من السنن التي اختص بها المهدي وعبد المؤمن وجرى على سننها أبناؤه فأوعز بالنهي عن ذلك كله وشنع عليهم في وصفهم الإمام المهدي بالمعصوم وأعاد في ذلك وأبدى وأذن للنصارى القادمين معه في بناء الكنيسة بمراكش على شرطهم فضربوا بها نواقيسهم واستولى ابن هود بعده على الأندلس وأخرج منها سائر الموحدين وقتلهم العامة في كل محل وقتل السيد أبو الربيع ابن أخي المنصور وكان المأمون تركه واليا بقرطبة واستبد الأمير أبو زكريا بن أبي محمد ابن الشيخ أبي حفص بأفريقية وخلع طاعته سنة سبع وعشرين وستمائة للسيد أبي عمران ابن عمه محمد الخرصان على بجاية مع أبي عبد الله اللحياني أخي الأمير أبي زكريا وزحف إليه يحيى بن الناصر فانهزم ثم ثانية كذلك واستلحم من كان معه ونصبت رؤوسهم بأسوار الحضرة ولحق يحيى بن الناصر ببلاد درعة وسجلماسة.
ثم انتقض على المأمون أخوه أبو موسى ودعا لنفسه بسبتة وتسمى بالمؤيد فخرج المأمون من مراكش وبلغه في طريقه أن قبائل بني فازان ومكلاتة حاصروا مكناسة وعاثوا في نواحيها فسار إليها وحسم عاملها واستمر إلى سبتة فحاصرها ثلاثة أشهر واستمد أخوه أبو موسى صاحب الأندلس لابن هود فأمده بأساطيله.
وخالف يحيى بن الناصر المأمون إلى الحضرة فاقتحمها مع عرب سفيان وشيخهم جرمون بن عيسى ومعهم أبو سعيد بن وانودين شيخ هنتاتة وعاثوا فيها فأقلع المأمون عن سبتة يريد الحضرة وهلك في طريقه بوادي أم الربيع مفتتح سنة ثلاثين وستمائة وحين إقلاعه دخل أخوه السيد أبو موسى في طاعة ابن هود وأمكنه من سبتة فأداله منها والله تعالى أعلم.